أخـــر الأخبــــار

 

الوحدة والديمقراطية في فكر الشهيد جار الله عمر 

الثلاثاء, 06 كانون2/يناير 2015 17:11
قيم الموضوع
(0 أصوات)

 

 

الوحدة والديمقراطية

احتلت قضيتا الوحدة والديمقراطية حيزا واسعا في فكر وفعل الشهيد جار الله عمر ، فكتب محللا العلاقة الجدلية بين الوحدة والديمقراطية ، وكان حريصا منذ البداية على تأكيد موقفه الواعي من ربط الوحدة بالديمقراطية ، وذلك حين أشار إلى أنه لم يكن مع الوحدة " كغاية تطلب لذاتها ، دون مراعاة المضمون الذي ينبغي أن تكون عليه ، والوظيفة التي تؤديها، .."  داعيا في هذا السياق " لامتلاك تصور ناضج يجمع بين مسألتين : الأولى شكل الوحدة كإطار لجمع شمل اليمنيين ، وتحقيق مطلبهم الوطني في وجود الكيان الموحد ، والثانية : أن تكون الوحدة وسيلة للتقدم الاقتصادي والاجتماعي ولتحقيق الديمقراطية وتعميمها في أوساط السكان .. وبإنجاز هاتين المسألتين ، سوف تأخذ الوحدة أفقها التاريخي التقدمي .. وستشكل أساسا حقيقيا للنهوض الحضاري ."  ، وكان الشهيد جار الله يعتقد جازما " أن الوحدة الحقيقية التي يمكن لها أن تبقى وتترسخ ، هي الوحدة التي ستشكل نقله حضارية في حياة المجتمع اليمني ، والتي ستحتفظ بمنجزات ومكاسب الثورة اليمنية 26 سبتمبر و14 أكتوبر .."

ويعزو جار الله التأخر في إنجاز مهمة الوحدة لما أطلق عليه " مأزق الديمقراطية " مما أدى لتأخر البديل الديمقراطي كثيرا ، وفي مأزق غياب البديل الديمقراطي يشير إلى " نقطتين محوريتين أخرتا تحقيق الوحدة اليمنية :

الأولى : عدم تعزيز الاطروحات عن الوحدة بمضمون ديمقراطي ، بممارسة الديمقراطية نفسها ....

الثانية : ان انعدام الديمقراطية أدى إلى استبعاد الجماهير عن المشاركة في النشاطات الوحدوية ، ولم تتشكل قوة جماهيرية ضاغطة باتجاه الوحدة ، .. "   ، وكان يرى إن تنفيذ برنامج وحدوي واقعي عملي متكامل يتطلب " الاقرار بالديمقراطية التي تعني الاقرار بحقوق الإنسان ، وحرية الأحزاب الوطنية ، وتحقيق المواطنة المتساوية لجميع فئات السكان ." 

الوحدة والتعددية

وإذا كان جار الله قد بدأ مبكرا - وتحديدا منذ العام 1982-  بإدارة نقاش حول التعددية الحزبية باعتبارها فكرة وحدوية بالدرجة الأولى ولأنها ستكون أساسا للتحالف ومدخلا لإعادة رسم خارطة المواقف السياسية والاجتماعية المختلفة على الساحة الوطنية .. وإحداث تحولات تاريخية كبيرة . ، فإنه قد خاض نضالا دؤوبا من أجل إقناع رفاقه في الحزب الاشتراكي اليمني ، بفكرة التعددية الحزبية ، شارحا الأهمية الكبيرة في أن يسبق النظام في الجنوب إلى إعلانها ، معتبرا أن ذلك سيقوي ويعزز المشروع الوطني الديمقراطي على مستوى الساحة اليمنية كلها ، ودعي الحزب الاشتراكي اليمني إلى التنسيق مع أطراف الحركة الوطنية الديمقراطية الأخرى والعمل من أجل قيام اليمن الديمقراطي الموحد ..  ،ولم يتوقف دوره النضالي هذا بمجرد قيام الوحدة ، بل استمر حتى بعد حرب صيف 1994 ، الظالمة ضد الجنوب والحزب الاشتراكي اليمني ، ففي أخر كلمة القاها في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الثالث لحزب التجمع اليمني للإصلاح وقبل تنفيذ جريمة اغتياله بدقائق كان يؤكد على أن وطننا اليمني قد مرت عليه أحداث متتالية منذ تحقيق الوحدة اليمنية ،داعيا لضرورة الاستفادة من تجارب الماضي واستخلاص العبر من أحداثه ، مشيرا إلى أن الحزب الاشتراكي اليمني قد قام بتقويم مسيرته ، مذكَّرا بأهم العبر ذات الصلة بالأوضاع القائمة حينها وهي كالتالي :

أولا : إن الديمقراطية ضرورية لأي حزب كي يتجنب الصراعات الداخلية كما هي ضرورية لتجنيب الأوطان آثار التشظي والتفتت وويلات العنف والحروب الأهلية .

ثانيا : إن الديمقراطية منظومة متكاملة لا تتجزأ أساسها المواطنة المتساوية واحترام العقد الاجتماعي بين الحكام والمحكومين وصيانة الحريات والحقوق الأساسية دونما تمييز لأي سبب كان والقبول بالتعددية الفكرية والسياسية وعدم الاكتفاء من الديمقراطية بالتسمية ومظاهر الزينة الخارجية .

ثالثا : إن جمهور المواطنين يحتاج على الدوام إلى تأمين حد أدنى من المساواة في الفرص لتأمين لقمة العيش وقدرا من العدالة والخدمات الاجتماعية المتاحة للجميع .

رابعا : إن تأمين السيادة الوطنية يقتضي توازن المصالح بين الفئات الاجتماعية والمناطق المختلفة للبلاد بهدف سد الثغرات التي يمكن للقوى الخارجية المعادية النفاذ منها للانتقاص من هذه السيادة .

خامسا : إن تقوية النظام السياسي للبلاد يفترض وجود معارضة قوية مستندة إلى مجتمع زاخر بالحراك والفعالية والمنظمات الأهلية المستقلة بعيدا عن السيطرة الرسمية وبالصحافة الحرة المؤثرة والإبداع الحر ولا شك أن قيام اللقاء المشترك يشكل خطوة على هذا الطريق بعد أن أصبح اليوم إحدى حقائق الحياة السياسية في اليمن .

سادسا : إن التجربة الديمقراطية في اليمن قد بلغت درجة من الركود والشيخوخة المبكرة وهي تحتاج إلى إصلاح سياسي واسع وشجاع حتى تعود إلى شبابها ، كما أن اليمن بحاجة إلى مجلس نواب يمثل اليمن بكل فئاتها الاجتماعية ومصالحها المختلفة ويضم بين صفوفه خيرة العناصر والقيادات الاجتماعية والسياسية والعلمية في البلاد ، مجلس نواب يشبه اليمن بتنوعه وعظمته ووحدته وتعدد تياراته الفكرية والسياسية .

الوحدة والدولة  

وفيما كان جار الله يرى في الوحدة مشروعا ديمقراطيا موجها ضد الموروثات التقليدية كالطائفية والقبلية والمناطقية وضد كافة النزعات المتخلفة ، فإنه كان يأمل فيها أن تعمل على اقامة أسس الدولة العصرية القائمة على العقد الاجتماعي ، الدولة الديمقراطية التي تحقق المواطنة المتساوية ، وتعترف بتعدد الأحزاب وتعدد المشارب الثقافية ، وتعبر عن إرادة الأغلبية الشعبية وتسهر على مصالح المجتمع بشكل عام وهي لا تستطيع أن تحقق ذلك مالم تكن دولة مؤسسات وليست دولة عصبيات ومراكز قوى متنفذة أو أفراد ، دولة تقوم على مبدأ الاختيار الحر ، والمشاركة الوطنية وتقديم الأفضليات ، وليس على مبدأ القوة .

الوحدة ومكاسب الثورة

 كعادته لم يبن جار الله أفكاره ومواقفه السياسية على الأحلام أو الإرادوية الشخصية ، بقدر ما كان يضع القضايا موضع التناول وضعا تاريخيا ملموسا ولذلك  فإنه عند تناوله لقضية الوحدة ومكاسب ثورة 14 أكتوبر، لم ينس أن يتساءل وبصورة استشرافية عن " مدى ومقدرة واستعداد القوى الوطنية الحية في الشمال ( في النظام وخارجه ) لأخذ خطوات متقدمة تتجاوز آثار النكوص الذي حدث في الماضي ، وإقصاء أية هواجس أو تطلعات بأن الوحدة ستقود إلى التخلي عن الثورة والمكاسب الاجتماعية والحقوقية والدستورية لثورة 14 أكتوبر، مؤكدا أن الوحدة ليست بديلا للتقدم ، ولا يمكن أن تشكل الغاء للمكاسب التقدمية ، وبقدر ما هي نقلة نوعية إلى الأمام، فإنه لا يمكن القبول بالعودة إلى ما قبل قيام ثورة 26 سبتمبر ولا إلى المراحل التي سادها التراجع مثل مرحلة انقلاب 5 نوفمبر ، لأن هذه المرحلة ليست مثالا للدولة اليمنية القادمة ، ولا تصلح لأن تكون كذلك ." 

النتيجة التي حذر منها جار الله

للأسف الشديد فإن المخاوف التي حذر منها جار الله ودعا لتجنبها فقد حصلت بكل تفاصيلها ، إذ شنت قوى انقلاب 5 نوفمبر حربها الظالمة الهمجية ضد الوحدة والديمقراطية وضد الدولة اليمنية . وعندما تصبح الدولة مهددة يعني ذلك سقوط الفكرة من أيدي حاميلها .. أي فشل التجربة السياسية للمجموعات المكونة لإدارة الشأن العام .. وعندما تصبح عطالة الدولة أمر ممكن أو بديهي .. تكون الجماعة الحاكمة للشأن العام  قد قطعت علاقتها بالزمن وهذا يعني موت الدولة ببطلان وظيفتها التي تقوم على الإنتاج الدائم والمستمر والسّريع وبدقة وتوازن للتعامل مع كلّ مستجدّ من ابتكار أو حاجة والرضوخ الدائم لتوالد الأجيال المستدامة بحاجاتها وتطلّعاتها ..  وهكذا أصبحت أسباب الاضطراب في الهوية الوطنية أمرا مقدسا لدى البعض ولذلك غدت مسألة الوحدة الوطنية اليوم عدوا وليست غاية سامية كما ظلت تروج لها الأوساط الحاكمة حين قالت وصدقت نفسها أنها عمدت الوحدة بالدم ..

وحين " تصبح التعابير والمفردات لا تدلّل على ذاتها تكون المعرفة في خطر شديد وبصبح المواطن العاقل غريبا أو معتديا .. وهذا ما قد ينبّئ  بالكثير من الخراب والدمار والقتل والذبح لأنّنا عندما نتهاون بالمعايير الناظمة لوجودنا الوطني تختل ّ الموازين وتضطرب الهوية الوطنية .. وكلّ اضطراب بالهوية الوطنية يؤدي إلى حرب أهلية تبدأ على ما نراه الآن من تعطيل للدولة واستهانة بالزمن وبالإنتاج واستخفافا بعقول الناس والتنظير بكلّ اتجاه .. وهذا تؤكده ممارسات المكوّنات الحاكمة .. وفي كلّ المواضيع .. من السيادة إلى الدستور إلى السياسة والاقتصاد والمؤسسات إلى الأمن السياسي والغذائي والعسكري والفكري والبيئي والإنساني .."  

الخاتمة

إن أكثر ما استرعى انتباهي وأنا أطالع الجزء اليسير مما توفر لي من التراث الفكري والسياسي للشهيد جار الله عمر هو منهجيته العلمية وأدواته التحليلية التي أجاد استخدامها وتمكنه من خلالها التوصل إلى نتائج واستخلاصات  نهائية عادة ما كان يبني عليها مواقفه الفكرية والسياسية المعلنة .

وأخيرا اتمنى من كل أعضاء الحزب الاشتراكي اليمني وخاصة جيل الشباب والمثقفين منهم أن يتمثلوا النهج والسلوك النضالي للشهيد جار الله عمر ، وبالذات اتباع طرائقه المميزة في التحليل والاستنتاج،  مستفيدين  من المنهج التاريخي العياني ،الذي أجاد الشهيد التعامل معه ، وهو منهج يتعامل مع االظواهر الاجتماعية من حيث مراحلها ومستوياتها المختلفة المتمثلة في : النشوء والتطور والمآل ، ومدى تأثيرها وتأثرها مع ما حولها من الظواهر والوقائع والأحداث .  

*ورقة عمل قدمها خلال الندوة التي اقامها القطاع الطلابي للحزبي الاشتراكي اليمني  في الذكرة الثانية عشرة لاغتيال الأمين العام المساعد للحزب الاشتراكي اليمني جار الله عمر.

 

 

قراءة 550 مرات

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة